الحسد فى القرأن والسنه؟
ما الذي يفتت عزيمة المجتمع الإسلامي؟ :
أيها الأخوة الكرام، الإنسان حينما يراقب نفسه، وحينما يتعاهد قلبه، وحينما يبلغ درجة الوعي والتأمل لحال قلبه, يكون قد قطع مسافةً جيدة في طريق سلامته وسعادته، أحياناً الإنسان -بالتعبير الحديث- بعقله الباطن يحسد دون أن يشعر، وبسبب حسده ينتقم، وبسبب حسده يقسو، وبسبب حسده يتحرك ليوقع الأذى بأخيه، وحينما يرى الأخ أن أخاه ناله بالأذى تنشأ العداوة والبغضاء، ولا شيء يخدم الشيطان كالعداوة والبغضاء بين المؤمنين، الحسد مع السلوك مع القسوة, يرافقه الغيبة والنميمة, هو الذي يفتت المجتمع.
من صفات الحاسد في القرآن الكريم :
1-الطعن بالآخرين وذلك ببخس أعمالهم والتقليل من شأنهم:
أيها الأخوة الكرام، حينما نبحث عن صفات الحاسد, فهذا البحث مفيد جداً، لأنه مقياس وإنذار مبكر، الله عز وجل يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾
إذا تفوقت طُعِنتَ في الظهر، إذا تفوقت هناك من يقول: إخلاصه ليس جيداً، هناك من يقول : لقد حققت مصلحة مادية من عمله، بل إن الناس الذين التقوا بالأنبياء وهم قمم البشر، وهم من الكمال بحيث لا يصدق، قالوا لهم: إن أنتم إلا بشر مثلنا, تريدون أن تتفضلوا علينا, أنتم همّكم الاستعلاء، هذه تهمة اتهم بها الأنبياء، فالحسود لا يفتأ يبخس عمل المتفوق، لا يفتأ يطعن في نيته، لا يفتأ يطعن في إخلاصه, لا يفتأ يقلل من قيمة عمله، هذا شأن الحسود، فالصفة التي ذكرها القرآن الكريم:
﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾
صفة أخرى بينها القرآن الكريم من صفات الحاسد، وأنا متأكد أن الإنسان أحياناً يحسد دون أن يشعر، يحسد فيتجه إلى الطعن بالآخرين, إلى بخس عملهم، وإلى التقليل من شأنهم، وإلى إلصاق التهم بهم دون أن يشعر بدافع الحسد.
2-تألمه إن أصاب المؤمن خيراً وفرحه إن جاءته المصيبة :
قال تعالى:
﴿وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾
حينما يحسد الإنسان, يأخذ وجهين حفاظاً على مكانته وسمعته، إذا التقى بإنسان تفوق عليه يهنئه، ويقول: نحن نعتز بك، لكن حينما ينطوي على نفسه, يتألم ألماً لا حدود له، وفي غيبته يطعن به، هذه مشكلة المسلمين حينما يضعف إيمانهم، فيفشوا بينهم الحسد والضغينة.
أيها الأخوة, صفة أخرى من صفات الحسود، قال تعالى:
أيها الأخوة, صفة أخرى من صفات الحسود، قال تعالى:
﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾
إن جاءكم الخير يتألمون، وإن جاءتكم المصائب تترى يفرحون، إذاً: هم في خندق آخر.
احذر أن تزل قدمك إلى هذا الخندق :
هذه الفكرة شرحتها مرة: هل تجد على وجه الأرض من دون استثناء أُمًّا تفرح بسقوط ابنتها؟ مستحيل، إلا أنك إن رأيت امرأة تفرح بفضيحة ابنتها, فاعلم أنها ليست ابنتها، ولا يمكن أن تجد مؤمناً يفرح بمصيبة نزلت بالمؤمنين، أو يتألم بخير أصاب المؤمنين، فإن فعل هذا, فاعلم أنه ليس مؤمناً، الإنسان حينما يحسد, يضع نفسه في خندق المنافقين، علامة النفاق الحسد، وعلامة الإيمان الغبطة.
صدق أيها الأخ: أن أخاً لك أصابه خير, إن لم تفرح له وكأن الخير أصابك, فأنت لست بمؤمن، إن لم تفرح له بهذا الخير فأنت لست بمؤمن، هذا كلام دقيق جداً أسوقه في هذا الموضوع، إن لم تفرح لخير أصاب أخاك فلست بمؤمن، إن لم تتألم لمصاب أصاب أخاك فلست بمؤمن:
صدق أيها الأخ: أن أخاً لك أصابه خير, إن لم تفرح له وكأن الخير أصابك, فأنت لست بمؤمن، إن لم تفرح له بهذا الخير فأنت لست بمؤمن، هذا كلام دقيق جداً أسوقه في هذا الموضوع، إن لم تفرح لخير أصاب أخاك فلست بمؤمن، إن لم تتألم لمصاب أصاب أخاك فلست بمؤمن:
﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾
3-تعرفه في لحن القول :
من صفات الحاسدين في القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾
تعرفهم في لحن القول، الإنسان حينما يخفي شيئاً, يظهر بفلتات لسانه، أراد رجل أن يمدح إنساناً لمصلحة، لكنه لا يحبه، بل يبغضه، بل يحسده، فقال: أحبُّ الصالحين ولستَ منهم، هي : ولستُ منهم، البيت الذي قاله الشافعي:
أحب الصالحين ولستُ منهـم لـعلّي أن أنال بهم شفاعـة
وأكره من بضاعته المعاصي ولـو كن سواءً في البضاعة
ماذا قال؟ أحب الصالحين ولستَ منهم، هذه فلتة لسان عبرت عن مكنون هذا الإنسان، إذاً: لحكمة أرادها الله عز وجل, الغيظ والحقد والحسد الذي ينطوي عليه الإنسان, يظهر من فلتات لسانه.وأكره من بضاعته المعاصي ولـو كن سواءً في البضاعة
ما معنى (بسيماهم) في هذه الآية؟ :
قال تعالى:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾
بسيماهم؛ أي صفحة الوجه، أيضاً لحكمة بالغة بالغة: جعل الله وجه الإنسان مرآة قلبه، وهناك أناس عندهم خبرة عالية، أنت حينما تغتاظ, يظهر الغيظ على صفحة وجهك، وحينما تتألم, يظهر الألم على صفحة وجهك، وحينما تظهر شيئاً مفرحا, تظهر ابتسامة ساخرة على ملامح وجهك، الوجه مرآة القلب، وما من شيء يضمره الإنسان في قلبه, إلا ويظهر في طريقتين؛ يظهر في صفحة وجهه وعلى لسانه، فلتات اللسان تعبر عن حقيقة القلب، وصفحة الوجه كذلك، لذلك أحياناً: تظهر على وجه, تراه ملائكياً, بريئًا, طاهرًا, لا يحمل حقداً، ولا غلاً، ولا حسداً، ولا شيئاً من هذا القبيل، فالوجه مرآة القلب.
هذه فراسة المؤمن :
مرة سيدنا عثمان -هكذا يروى- دخل على مسجده رجل قد ارتكب الزنا، فقال: أيزني أحدكم ويأتي إلى المسجد؟ فدهش الصحابة، قالوا: أوحي بعد رسول الله؟ قال: لا، ولكنها فراسة صادقة.
ما الثمرة التي يحصل عليها المؤمن حينما يتصل بالله؟ :
ترى الشهواني وجهه أزرق، المؤمن الطاهر وجهه منير مشرق، لكن أنا أتمنى ألاّ يستعملها أحد، قد تكون ضعيف الإحسان، وقد تكون ضعيف الخبرة, فتتهم إنسانًا من دون دليل، هذا شيء لا يمكن أن يتخذ دليل, قضيةِ الفراسة وقضية الإشراق، وأحياناً تجد إنسانًا لونه أبيض، ودائماً يشرب عصيرًا، وينام خمس, ست ساعات كل يوم، ترى وجهه مثل البدر، ما شاء الله على هذا الصلاح، يكون أكبر مجرم، ممكن، وقد تجد إنسانًا ملوّنًا، ولكن الطهر والبراءة في وجهه وكأنه بدر، القضية ليست قضية مادية؛ أن اللون أبيض، وعلى كل خد وردة، وفيه تألق، وعين زئبقية، ليس هذا هو المقياس، المقياس: أن إنسانا حينما يتصل بالله عز وجل, تظهر البراءة على وجهه، والإشراق على وجهه، قال تعالى:
﴿فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾
انظر إلى هذا التطابق بين صفات المنافق وبين صفات الحسود :
أيها الأخوة الكرام، أن المنافق حسود، وأن الحسود منافق، وهناك تطابق بين صفات المنافق وبين صفات الحسود، فحينما تحسد, فهذا الحسد يدل على أنك في خندق المنافقين، لأن المؤمنين بعضهم لبعض نصحة متوادون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم.
ما هي الأوجه التي بارز بها الحاسد ربه في رأي القرطبي :
1- أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره :
أحد كبار المفسرين، الإمام القرطبي يقول: الحاسد بارزَ ربَّه من خمسة أوجه -تطاول على الذات الإلهية من خمسة أوجه-, أحدها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره, هناك نماذج بشرية, لا يتحمل أحد أن يكون أحسن منه، وحينما يشعر، وهذا في النساء أكثر، وحينما يشعر أن فلانًا أحسن منه دون أن ينتبه؛ يطعن به، يستصغره، يحتقره، يبحث عن نقائصه، وكأنه قناص، وينسى كل فضائله.
2- أنه ساخط لقسمة ربه :
وثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه:
قل لي من بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدبا؟
أسأت إلى الله في فعلـه إذ لم ترض لـي ما وهـبا
إنك تطعن بحكمة الله عز وجل.
قل لي من بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدبا؟
أسأت إلى الله في فعلـه إذ لم ترض لـي ما وهـبا
إنك تطعن بحكمة الله عز وجل.
3- أنه ضاد فعل الله :
ثالثها: أنه ضاد فعل الله؛ أي إن فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو يتمنى ألاّ يؤتى هذا الإنسان فضل الله حسداً من عند أنفسهم.
4- أنه خذل أولياء الله :
رابعها: أنه خذل أولياء الله، الإنسان قد يتفوق، قد يأخذ الله بيده، الذي يحسده لا يريد لهذا الخير أن ينتشر، هو يقطع السبيل إلى الله، مثلاً: اثنان على مقاعد الدراسة، أحدهما تفوق في الدعوة إلى الله، والثاني بقي في مرتبة دنيا اجتماعية، لم يدرس، ولم يهتم، ولم يعتن بقلبه، ولم يعتن بعلمه، ولا بطلب العلم، ولا بحمل هم المسلمين، فلو أن هذا الرفيق الثاني الذي أهمل قلبه، وأهمل علمه، ولم يتحرك لخدمة المسلمين, سمع أن شاباً يحضر دروس هذا الصديق, الذي كان صديقه مباشرةً, يطعن به، مباشرة ينصحه ألاّ يتابع دروسه، لماذا؟ أنت لك أن تحل محله؟ لا، قال تعالى:
﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾
ترى كلام الناس أحياناً أربعة أخماسه كلام شياطين، يكون الشاب شاردًا، التقى بصديق دله على جامع، التزم، غض بصره، ضبط لسانه، صلى قيام الليل، قرأ القرآن، حفظ كتاب الله، قُلِب مئة وثمانين درجة، يأتي صديق الشيخ الذي هو عنده, فيقول له: الله يصلحك لم تجد غيره, ماذا تريد منه؟ هذا جاهل، بلا دليل، حسداً من عند أنفسهم.
هذه مهمة إبليس :
أيها الأخوة الكرام، الحاسد خذل أولياء الله، أو أراد خذلانهم، وزوال النعمة عنهم، الحاسد أعان عدو الله إبليس على تحقيق مراده، لأن إبليس يقطع ما أمر الله به أن يوصل، مهمة إبليس الأولى: أن يقطع ما أمر الله به أن يوصل.
قيل: الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء ، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وغماً، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً واحتراقاً، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً.
قيل: الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء ، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وغماً، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً واحتراقاً، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً.
موضوع خطير :
موضوع الحسد خطير جداً، لأن هذا المرض الأول الذي يفشو بين ضعاف الإيمان، ترى المجتمع ممزقًا مشرذمًا، في البيت الواحد حسد، بين الأخوة حسد، بين الزملاء حسد، بين الأقرباء حسد، بين سكان القرية حسد، بين أصحاب الحرفة حسد، شيء لا ينتهي؛ عداوات، ومشاحنات، وطعن، واتهامات، وعدوان.
إليكم هذه البنود التي أحصى العلماء فيها صفات الحاسدين :
أيها الأخوة الكرام، بعض العلماء أحصى صفات الحاسدين في بنود, فقال: الحسود دائم السخط على أقدار الله، أينما جلس يشتكي، أينما جلس يتبرم، أينما جلس هو متشائم، لأن الحسد أكل قلبه، ولأن الحسد قطعه عن الله عز وجل، سخط من فضل الله عز وجل الذي آتاه لزيد أو عبيد.
من جنود إبليس :
أنا تحدثت في درس سابق, أنه من مستويات الحسد: أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك لتصل إليك، المستوى الأسوأ: أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك دون أن تصل إليك، المستوى الأسوأ: أن تكتب تقريرًا، أو أن توغر صدر فلان من أجل أن تزول هذه النعمة عن أخيك، شيطان يحرك الناس وهم لا يشعرون، إنما تخدم كيد الشيطان، دائماً الحسود أحد جنود إبليس , إذاً: متبرم ساخط.
0 التعليقات: