الحماة (علاقتها بزوج ابنتها فى مجتمعنا الشرقى) ===================
تثير العلاقة بين الزوجة ووالدة زوجها''الحماة''، أو بين الزوج ووالدة زوجته جدلا أزليا لا ينتهي، ولن تكتب أدبيات العلاقات الأسرية الكلمة الفصل في هذه العلاقة لتعدد وتشابك وتعقد طبيعتها المرتبطة بطبيعة النفس البشرية، وكثيرا ما كانت هذه العلاقة مادة دسمة للمعالجات الأدبية والصحفية أو الدرامية والسينمائية، ومادة ثرية للكتابة الساخرة ورسامي الكاريكاتير وهواة اطلاق ''النكتة''والمواقف الطريفة.
هل هي حالة من حالات الاتفاق أوالاختلاف الانساني شأنها في ذلك شأن كثير من الظواهر والعلاقات الاجتماعية ، لكنها تعاني المبالغة أو التهويل في رصدها وتناولها في أحيان كثيرة؟ أم أنها بالفعل حالة من حالات ''الحرب الباردة'' بين طرفيها؟، أم أنها صراع ارادات أو ''صراع ديوك'' نتيجة افرازات وأسباب نفسية وثقافية واجتماعية لأطرافها؟ وما هي الأسباب الحقيقية لهذا الصراع ؟
إن الصورة ليست دائما بهذه القتامة، وعلينا أن نتذكر أن هناك أسراً سعيدة لأن التوافق والانسجام والتعايش الايجابي هو الطابع السائد بين الأجيال المختلفة فيها، وهناك الأزواج الجدد من الشباب الذين يفضلون السكن بعيداً عن آبائهم وأمهاتهم حتى يتجنبوا ويبتعدوا تماماً عن مشاكل الحموات، فكل فتاة من بنات هذا الجيل تتمنى أن تثبت جدارتها عندما تصبح زوجة أو أماً وأنها في البداية تكون حساسة لأي نصيحة إذا قيلت من أمها أو من حماتها، حتى ولو كانت النصيحة معقولة أو منطقية، لذلك فهي ترفض هذه النصيحة. فمعظم الأمهات الشابات لم يتجاوزن فترة المراهقة إلا قليلاً، وفي قلب كل منهن رغبة أكيدة في إثبات جدارتها لدرجة رفض أي نصيحة بضيق صدر بالغ، فضلا عن الأبعاد النفسية للأم بتولد شعور دفين، أو إحساس لاشعوري بأن زوجة الابن إنما جاءت لتخطف أو تستحوذ على ابنها الى الأبد، أو ينحى الصراع بين الطرفين منحى آخر إذ يأخد شكلا من أشكال فرض الرأي، أو الوصاية، أو اثبات صحة الرأي وان كان على غير صواب.
كشف العيوب
تقول شمة الزبيري (43 سنة)، ربة بيت:''هناك من الحموات من تحاول كشف عيوب زوجة ابنها مع كل شاردة وواردة، وفي المقابل تحاول زوجة الابن أن تكشف عيوب حماتها كنوع من الحماية الذاتية، وأي بادرة في الاستسلام لرأي الحماة، كفيلة بأن تدفع الحماة الى مزيد من استغلال الفرصة لإهانة زوجة الابن، كما أن خوف زوجة الابن من جرح مشاعر حماتها يدفع الحماة كي تستغل ببراعة أي فرصة تبدو فيا وكأن مشاعرها قد جرحت، وانها تشعر أن زوجة ابنها قد أهانتها. وهكذا تبدأ لهجة الأوامر تظهر على لسان الحماة كأن تقول مثلا: أنا لا أسمح بأن تقولي لي ذلك ويصبح أي خلاف في الرأي هو إهانة شخصية للحماة.
تقول شمة الزبيري (43 سنة)، ربة بيت:''هناك من الحموات من تحاول كشف عيوب زوجة ابنها مع كل شاردة وواردة، وفي المقابل تحاول زوجة الابن أن تكشف عيوب حماتها كنوع من الحماية الذاتية، وأي بادرة في الاستسلام لرأي الحماة، كفيلة بأن تدفع الحماة الى مزيد من استغلال الفرصة لإهانة زوجة الابن، كما أن خوف زوجة الابن من جرح مشاعر حماتها يدفع الحماة كي تستغل ببراعة أي فرصة تبدو فيا وكأن مشاعرها قد جرحت، وانها تشعر أن زوجة ابنها قد أهانتها. وهكذا تبدأ لهجة الأوامر تظهر على لسان الحماة كأن تقول مثلا: أنا لا أسمح بأن تقولي لي ذلك ويصبح أي خلاف في الرأي هو إهانة شخصية للحماة.
وتكبت زوجة الابن استياءها من هذه الإهانات المتتالية ومن سيطرة الحماة، مما يجعلها تتألم ولا تعرف كيف تتصرف لتضع حداً لهذا الألم، وتصبح كالسيارة الغارقة في الرمال، تغوض أعمق وأعمق كلما حاولت الخروج بمرور الأيام''.
وتسوق الزبيري مثالا آخر، قائلة:'' عندما تنجب الزوجة طفلها الأول تحديدا، غالبا ما تأخذ إرشاداتها من الطبيب الذي يشرف على حالتها، وهذا تصرف لا اعتراض عليه، لكن علينا أن ندرك أنها في بداية ميلاد الطفل تحتاج الى وجود أمها أو حماتها بجانبها للاستفادة من خبرتهما، لأن الطبيب ليس معها طوال الوقت، فالنصح ليس معناه فرض النصيحة، إنما معناه طلب النصيحة عندما نحتاجها ونفكر فيها، فإن بدا لنا أن هذه النصيحة غير مقنعة أمكن رفضها دون ضجيج، لأن النصيحة التي لا تعجبنا، وليست فرصة لاستنكار كل ما يصدر عن الأم أو الجدة أو الحماة.
وعلينا أن نعرف أن الحماة أو الجدة تفرح عندما يطلب أحد نصيحتها، ولن تحزن كثيراً عندما يرفض أحد بلباقة وهدوء تطبيق هذه النصيحة. ويجب على زوجة الابن الطاعة، فأم الزوجة نفسها تشعر أحياناً أن ابنتها تتفاخر عليها بقواعد التربية الحديثة وفي ذلك اتهام مباشر للأم المتقدمة في السن بأنها لم تتعلم قواعد التربية السليمة وإنها يجب أن تعرف أنها جاهلة.
وفي المقابل نجد والد الزوجة يبالغ في إلقاء سيل من النصائح والإرشادات ليس لها علاقة بالعلم ولكن هدفه أن يثبت أنه يعرف أكثر مما يعرف زوج ابنته، وهكذا نجد أن هناك صراعاً خفياً بين الأجداد والجدات كطرف وبين الأزواج كطرف ثانٍ''. وترى موزة المهيري (33 سنة)، موظفة أن ''الاتفاق أو الصدام بين أي شخصين وليس بين الزوجة وحماتها فحسب ناتج عن ثقافة الطرفين، وكلما كانت درجة ثقافتهما عالية فإن فرص اختلاف الرأي ستكون محدودة والعكس صحيح.
وقد تكون الإمرأتان عملياً تتبعان نفس الأسلوب في كافة تعاملاتهما، لكن مناقشاتهما الشفهية لا تنتهي لأن وجهات النظر تختلف.
وعندما تكون هناك شخصيتان مختلفتان فأنا لا أسأل نفسي أيهما على صواب، لأني ألاحظ أن كليهما يجد متعة في العثور على الفروق بين وجهة نظره ووجهة نظر من يختلف معه حتى تستمر المعركة. وإذا ما أحس أحدهما أن هناك نقطة اتفاق تقرب بينه وبين الشخصية التي يختلف معها فإنه يحاول الهروب منها بسرعة''.
الحذر من الغضب
يتساءل الدكتور عصام حامد، (45 سنة)، خبير التطوير في بلدية أبوظبي:'' هل يجب على الزوجة الشابة أن تثور في وجه حماتها، أو أن تبالغ في غضبها وتستعديها حتى تحصل على استقلالها في تربية ابنها؟ ويجيب بنفسه على تساؤله: ''إن معظم الناس الذين تفترسهم الضغوط المحيطة يشعرون بنوع من عدم القدرة على رفع هذه الضغوط مرة واحدة. وهذا الإحساس يرهقهم ولا يعرفون كيف يسيطرون على أنفسهم عندما يواجهون استفزازاً شديداً، وعندئذ ينفجرون انفجاراً عارماً، لكن على الزوجة الشابة أن تحذر من غضبها الشديد في وجه حماتها، إن الحماة التي تكون من النوع المتسلط تعرف في أعماقها أن ضيق الزوجة وغضبها الشديد دليلان على الخوف والجبن، وهذا يشجعها على استئناف التسلط والإهانة، وعلى الزوجة أن تتأكد من أنها في المدى الطويل سوف تزداد ثقة بنفسها ولا تسمح لحماتها أن تتدخل في أي شأن من شؤون تربية الأبناء أو معاملة الزوج، وستتعلم كيف تقول رأيها في صوت واثق دون أن تغضب، كأن تقول على سبيل المثال: هذا هو أفضل طريق بالنسبة لي ولطفلي و الطبيب هو الذي ينصح بذلك .
إن النبرة الواثقة الهادئة تكون عادة ذات فعالية كبيرة في إقناع الحماة بأن الزوجة قادرة على حل مشاكلها بنفسها''.
ويضيف الدكتور حامد:''إن عمل الزوجة دائماً أن تنفذ ما تراه صحيحاً دون أن تلجأ الى حماتها، فإذا حاولت الحماة أن تثير سلسلة من المشاكل لأي سبب، وعليها أن تبدو طبيعية، وأن تتفادى المناقشات قدر الإمكان، وعندما تصر الحماة على المناقشة والجدال فعليها أن تظل هادئة، وأن تغير موضوع الحديث بلباقة، وعندما تحاول ''الحماة'' أن تثير الزوجة على سبيل المثال بكلمة: أحلم أن يكون طفلك جميلاً وذكياً مثل أبيه ، على الزوجة أن تعتبر المسألة ''نكتة'' دون أن تظهر أن ذلك هو جرح لمشاعرها. إن كل ما نهدف إليه هنا هو أن ترفض الزوجة أن تقف موقف المدافعة عن نفسها، وألا تسمح لكرامتها بأن تجرح، وأن ترفض أن يثير أحد أعصابها، وبعد أن تتقن هذه المبادئ الأساسية في الدفاع عن نفسها، عليها أن تتقدم خطوة الى الأمام بأن تتعلم عدم الهرب من الحماة بل مواجهتها، وألا تخاف من سماع رأيها، وهذا يجعلها قوية ويقنع الحماة بحقيقة أن دورها الذي ينحصر في إبداء الرأي دون إلزام الأبناء بتنفيذ هذا الرأي''.
تحليل وتعقيب
تصف الخبيرة التربوية والاجتماعية خديجة الشامسي علاقة الزوجة بحماتها بأنها علاقة اجتماعية تبادلية شأنها شأن أي علاقة انسانية تخضع لعوامل نفسية واجتماعية وثقافية وقيمية معينة، ولا يجوز فيها التعميم، فأي طرف يتصرف وفق درجة تعليمه وثقافته، وما من شك أن البعد النفسي والاجتماعي له دور كبير في سلوكيات الأفراد، وطبيعة العلاقة بين الحماة وولدها''الزوج''، واذا كان وحيدها، أم غير ذلك، وخلفية حياتها الاجتماعية، كذلك الزوجة، وهكذا. وأحيانا نرى أن الزوجة مثلا قد تبالغ أحياناً في رصد المعارك بينها وبين حماتها، وهناك بعض الأمهات الشابات يحاولن الخروج على كل القواعد مثل الرضوخ لطلب أطفالهن في أي وقت، ويختلفن حول أساليب تربيتهم، وتحديد المسموح والممنوع للطفل، وتعليمه القواعد والآداب العامة، وكثيرا ما تصطدم برأي أو ارادة حماتهاأو حتى أمها، وكثيرا ماتجدها فرصة لأن ''تصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد''- فهي من جهة تغيظ حماتها غيظاً لا حدود له، ومن جهة أخرى تنتقم منها لكثرة ما عارضتها في السابق، كما أنها تريد أن تثبت لها أنها ذات ذهنية قديمة وأنها جاهلة وكل نصائحها خاطئة، وتريد أن تؤكد لها أنها أفضل منها لأنها أم شابة متعلمة ومثقفة. وأن الآباء والأجداد يأخذون من مبادئ التربية الحديثة أو القديمة أسلحة في معاركهم العائلية، وقلما ينجم عن ذلك ضرر بالغ، بل إنه أحياناً عراك لا يخلو من لذة، لكن الكارثة تأتي لو استمر ذلك كحرب ضارية ولفترة طويلة. والزوجة العاقلة المتزنة هي التي تنجح في تحييد حماتها وكسبها من البداية، دون أن نهمل دور الابن''الزوج'' في قبول أو رفض تصرفات الزوجة، أو لعب دور ايجابي في تقليل غضب الأم''الحماة'' وكسب ودها، وتلطيف الأجواء والتقريب بين وجهات النظر المختلفة، إذن هي بشكل عام سلوكيات أو تصرفات أو مواقف تخضع لثقافة ذاتية محددة، لكنها تعاني من المبالغة أو التهويل عند التناول'
0 التعليقات: